الثلاثاء، 8 مارس 2011

المسلمون أحوج للدفاع عن حرية الإعتقاد



كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء من الناشطين الليبراليين , حول طبيعة المرحلة القادمة والفارقة فى تاريخ مصر , وأولوية المطالبة والنضال فيها فى إتجاه دولة مدنية علمانية , وتطرق الحوار إلى أمالنا فى دستور جديد يرسخ قيم المواطنة ويتيح حرية الضمير والفكر والعقيدة للجميع , وكانت وجهة نظرى التى نقلتها لصديقى هى أنه لابد وأن ينص الدستور الجديد صراحة ودون مواربة على حرية تغيير العقيدة وحرية الجهر بالعقيدة الجديدة فكرا وممارسة , وهنا تحفظ ناشطنا الليبرالى تحت زعم أن المطالبة بمثل هذا المطلب فى هذا التوقيت الحرج قد يستفز الأغلبية المسلمة فى بلدنا فضلا عن أنه مطلب قد يوصمه البعض بوصمة الطائفية !!!!!!
ولأننى وجدت أن كثيرا من الناشطين والفاعلين سياسيا من الليبراليين والعلمانيين يسيرون على نفس التكتيك الحركى لصديقنا الناشط , متحاشين الجهر بمثل هذا المطلب فى الوقت الحاضر , ولأننى لا أجد ماهو أهم منه مطلبا فى وقتنا الراهن , فقد رأيت كسر التابو المزيف لهذه الفكرة والتى كادت أن تنتشر فى الاوساط الليبرالية المصرية , وتفتيتها على صخرة الكتابة , ولنبدأ من الإدعاء الأخير , هل المطالبة بإطلاق حرية العقيدة وحرية التحول الدينى هى مطالبة موسومة بالطائفية ؟ !!! كيف ؟! كيف وإطلاق هذه الحرية لهو قتال للطائفية ومواجهة معها ؟! إن الطائفية هى أن تعطى الحق لنفسك , لقومك , لطائفتك وتمنعه عن الاخرين , بل إن أبشع صور الطائفية وأشدها خطورة هى أن تنصب نفسك جلادا , يعاقب كل مختلف , كل من يحاول المغايرة والخروج عن عقائد وقوالب الطائفة من أبناء الطائفة !!!
نعم , إنها هى المفارقة العجيبة التى تتجلى فى أن الطائفى هو أكبر عدو لأبناء طائفته , أكبر جلاد لهم , إنك لن تجد مقاتل يقاتل طائفة ما ويقضى على حرية أبنائها , مثل المتعصب لهذه الطائفة , وهذا هو الوجه الاخر للفكرة والتى أحاول طرحها , فإننى لا أستطيع أن أتفهم كيف يصبح مطلب حرية الاعتقاد وحرية التحول الدينى جارحا لمشاعر الأغلبية المسلمة ؟!!!
إن هذه الأغلبية لهى أحوج الناس للمطالبة بهذا المطلب , إن المسلمين فى مصر لهم أكثر الناس تضررا من قمع حرية التحول الدينى , فاليهودى يستطيع أن يصبح مسيحيا أو مسلما أو بهائيا أو لاأدريا أو ملحدا , دون أن ينتظر عقوبات أو عوائق قانونية , وكذلك المسيحى وكذلك البهائى , لكل منهم هامش غير ضيق من اختيارات التحول الدينى , بعكس المسلم, فالمسلم أكبر المتضررين من إصرار بعض المتعصبين والمنتفعين من بنى طائفته على قمع وتقييد حرية التحول الدينى , المسلم مجبر على القمع , محكوم عليه من هؤلاء بعدم الحرية فى الإختيار , المسلم لو كان يدرك لهو أكبر شهداء هذه المعركة .
إن المطالبة بحرية التحول الدينى ليست قتالا للمسلم بل قتالا معه , ومطالبة بحق سلبه منه الجهلاء والمتعصبين والجائرين على حقوقه , تحت زعم حماية الطائفة وعقيدة الطائفة وإله الطائفة ,
هل تحتاج الالهة القوية للقمع لكى تفوز فى انتخابات البشر وتجمع اعلى الأصوات تحت التهديد والإجبار؟!!
هل تحتاج الالهة لعصى الأمن المركزى , وسجون الفكر والهوية , كى تحافظ على أعداد فارغة الكيف , يصم تعبدها الفتور , إن لم يكن النفاق والزيف ؟!!!!!
إن الطائفيين لهم أكبر سبه وإهانة فى وجه هذه الالهة , إن الالهة القوية لا تحتاج لقوانين طائفية , إن الطائفى ليغريه غبائه ويدفعه جهله لأن يصرخ فى وجهك بأن أبناء طائفته مقتنعين بما هم فيه ولا يحتاجون لمثل هذه الحريات !!!!
ولا يستطيع المرء أن يفهم , كيف يكون إختيار دون حرية ؟! كيف أستطيع القول أننى سامحت فلان لأنى عاجز أن أرد له الضربة , هل العجز تسامح ؟!!!
وكيف أستطيع القول أننى مخلص لفكر وعقيدة طائفتى , لأننى ممنوع علىَ أن أخرج عليها ؟!!!!!!!!!!!
هل القمع حرية؟!!!!!
كيف إستطاعت هذه العقول أن تجمع بين كل هذه المتناقضات دون أن تنتحر , دون أن تموت خجلا من أنفسها ؟!
عزيزى المسلم , أنت أحوج الناس للمطالبة بحرية التحول الدينى , ضع يدك الأن فى يد المسيحى والبهائى واليهودى والملحد , من أجل حق الجميع فى الإختيار , وحتى لاتصبح العقائد إجبار , قم الأن حتى لاتستيقظ متأخرا لتجد نفسك أول قتيل بأيدى أصحاب اللحى الطويلة والكروش الكبيرة والعروش الزائفة , من من ينصبون أنفسهم حماة للطائفة , إختار البقاء فى طائفتك أو الخروج عليها , إختار عدم الإنتماء لطائفة , ولكن فقط , عندما يكون فى وسعك الإختيار .
وفى النهاية , أود أن أوجه رسالة إلى كل الناشطين الليبراليين والعلمانيين , إلى كل داعية للحرية , إلى كل مناضل فى دروبها , إلى كل محارب بالكلمة : من قال لكم أن رسالتكم هى إسترضاء الناس ؟! من علمكم أن تكونوا أبواق تصفق للعامة ؟!! إن العامة لهم أكثر الناس محاربة لكل جديد , ليس لأنهم قد قيموا هذا الجديد ورفضته عقولهم , ولكن لأن الجديد تغيير , والتغيير حركة والحركة ألم ومخاطرة وخروج على السكون , إن العامة يفضلون السكون الذليل على الخروج الخلاق . وأنتم يفترض فيكم أنكم مقاتلون لكل هذا , أنتم حرب ضد هذا , فإن تركتم المعركة وأصبحتم مدافعين
عن عدوكم فأى محاربين أنتم ؟! وأى تنويريين أنتم ؟!!!
هل سمعتم عن نور يتملق الظلمة حتى لايجرح مشاعرها؟!!
كم تحضرنى الأن كلمات الراحل الرائع عبد الله القصيمى , وكأنه قد كتبها لتوه من أجلكم , مخاطبا ضمائركم عندما يقول : (( ليس المطلوب من الكاتب أن يجد الحرية فيباركها .. أن يجد الطريق مفتوحا واسعا أمامه فيسير فيه متراخيا ينشد الأناشيد لمجد الحرية . إن المطلوب منه أن يتعذب , أن يخاطر , أن يبدع ظروفه وإحتياجاته )) نعم , هذا هو المطلوب وهذا ما يأمله ويتمناه التاريخ منكم , فلا تتركوا رسالتكم , ولا تتركوا النضال بدون مناضلين , فإنه لايكتمل نضال بلا مناضل , تماما كما أنه لايضيع حق وراءه مطالب .



محمد حجازى ( بيشوى )

ليست هناك تعليقات: