إن كان الله يحبنا، إن كان قد نقشنا على كفيه ، فكيف يسمح للألم أن يجتاز بيننا ، وكيف يتركنا نقاسى ويلات وصعوبات الحياة؟!
سؤال يتردد كثيرا فى أذهان الكثير من الأحباء ، وبداية أحب أن أوضح أن هذا التساؤل يعكس جهل و عدم تبصر بطبيعة الله
وبطبيعة الإنسان فى ان واحد
وقبل الخوض فى فك طلاسم ،وتفكيك هالة هذه الإشكالية ،لابد من التنقيب والبحث فى الأساس والبنية التحتية التى قام عليها
صرح المفهوم الخاطىء لطبيعة الله و الإنسان
وبقليل من التأمل نستطيع أن نضع أناملنا على البدعة الهرطوقية والتى تسربت للأسف لفكر الكثير من المؤمنين ، والتى تعرف
ب(الهرطقة القدرية) ، أو ما يطلق عليه العوام (القضاء والقدر)
وبرغم أن معظم المؤمنين يعرفون جيدا أنه ليس فى إيماننا المسيحى مايعرف بالقضاء والقدر ، إلا أن هذه المعرفة تبقى على
المستوى النظرى فقط ، من دون الولوج إلى قدس أقداس السلوك الحياتى عندهم !!
فتجدهم يتعاملون مع كل حدث أو مشكلة أو إخفاق فى حياتهم ، وكأنه سيناريو قد أعد مسبقا ولا مفر من حدوثه بنفس الكيفية
أو يقول لك أحدهم :بأن هذا مكتوب !!
هنا، لابد أن نوضح بشكل قاطع أن هذا الفكر غريب على المسيحية ,وأنه قد تسرب إالى فكر كثير من المسيحيين نتاج التأثر ببعض الثقافات
والأديان الهرطوقية كالإسلام
لكن ، ماهو فكر الله تجاه هذا الأمر؟!!
الإجابة بسيطة، يقول الأب (هنرى بولاد اليسوعى) :
((إذا كان الله يعرف مسبقا مسار وجودى ,فهذا لايمنعنى أن أعيشه كما أشاء. وإذا كان الله يتوقع قراراتى ،فهذا لا يعنى
أن هذه القرارات لم تعد قراراتى. فسابق العلم الإلهى يختلف عن القدر))
وللتوضيح ،نستطيع أن نضرب مثال بسيط:
ذهب أب ليشترى لإبنه الصغير تورتة عيد ميلاده ،ووقعت عينا الأب على تورتة أدرك أنها هى المناسبة تماما لذوق وميول إبنه،
وهم الأب أن يشترى هذه التورتة ،ولكنه تراجع وقرر أن يعود إلى البيت ويأتى بإبنه إلى المحل ليختار التورتة التى يريدها هو بنفسه
وعندما أتى بالطفل إلى المحل ، تأمل الطفل فى التورتات الموجودة فى المحل
ثم وقعت عيناه على التورته التى كان قد إختارها الأب سايقا ،وصاح قائلا: أريد هذه التورتة !!
وهنا نجد أن سابق علم الأب بميول إبنه وتوقعه لإختياراته لايعنى أن الإبن لم يختار التورتة التى أحبها بحرية
وكذلك فإن الله الذى يحبنا ،يعلم ميولنا وطباعنا أكثر من أبائنا وأمهاتنا
إن سابق علم الله لاعلاقة له بالقدر أو المصير المحتوم .فالله بمحبته اللامتناهية ،يحترم حريتنا إحتراما لا متناهيا، ويقف عن بعد
تاركا الإنسان يتصرف على هواه
علينا أن نعى جيدا أن إلهنا ليس هو الإله الذى يقحم نفسه جبريا فى حياة الإنسان ،فهو يحترم حريته
وكذلك إنساننا المسيحى ،ليس هو الإنسان الذى يقبل أن يكون فى الحياة مثل ممثل فى مسرحية قد اعد نصها بكل تفاصيله مسبقا
وما عليه سوى أداء الدور المعد له ، فهو يعرف دوره فى صنع التاريخ والأحداث
وفى هذه الفكرة تكمن الإجابة على السؤال المحورى للمقال : لماذا يسمح الله لنا بالألم؟!
إن الله ليس مجرب بالشرور ،فقط الله يحترم حريتنا ،يحترم إختياراتنا ، يحترم حتى عدم قبولنا له
ولا يفرض علينا شىء ، فيسوع المسيح مازال يقف على أبواب حياتنا يقرع فى هدوء ،يأمل أن يسمع أحد صوته ويفتح له ليتعشى معه
(( إن سمع أحد صوتى)) !!
إنه يقرع الباب فى هدوء ،يأتى صوته فى الريح اللطيف ،لم ولن يكسر الباب ليدخل عنوة
وإن لم نفتح له سيظل بالخارج يقرع بهدوء ولطف
إنه إله لحمى يختلف عن تلك الالهة الحجرية التى لاتحترم الإنسان وتصدر له دائما فكرة القضاء والقدر
وهنا نجد الإجابة :
الله يحترم حريتنا
الإنسان يصنع التاريخ بهذه الحرية
الإنسان هو الذى يحدد مصيره كنتاج لإختياراته، ويسير بنفسه نحو السعادة أو الألم
الله لم يأتى له بالألم ، هو نتاجه ، هو ثمرة صنعه
الله لايفرض علينا سلوك معين ، هو فقط يحاول أن يبث فينا روح الحلول الصحيحة, ولنا أن نقبل أو نرفض
فالله ينهج منهج الإغراء كما يسعى المحب إلى نيل قلب محبوبته
(( لذلك ها أنذا أستغويها ، واتى بها إلى البرية، وأخاطب قلبها))
(هوشع 16:2)
الله ينمى إنسانيتنا البائسة بصبر لامتناه ورقة وإبداع شديدين
الله ليس هو صانع الألم ، ولكنه يسمح لنا به لأنه يحترم إختيارنا
وهل من الممكن أن نقبل حياة بدون حرية ،بدون إختيار ،بدون إمكانية ال(نعم) وال(لا) ؟!!
وهل هناك إختيار بدون نتائج تترتب عليه ، سواء ألم أو سعادة
نحن من نصنع الألم ونحن من نصنع السعادة
نحن من نشكل التاريخ!!
علينا أن نكف عن هذا الغباء ،علينا ألا نلقى بإخفاقاتنا فى جعبة الله
الإنسان هو مؤسس الحروب والظلم والعنف ،وهو صانعها .والشر ينبع من قلب الإنسان ويفيض على العالم
وفى النهاية أحب أن أختم بهذه الكلمات الرائعة للأب هنرى بولاد:
(( لقد تعودنا أن نجعل الله مسؤولا عن البؤس والفقر والمجاعة .لكننا نعلم كلنا أن مواردنا كافية لتلبية إحتياجات جميع الناس.
كلنا نعلم أن فى كوكبنا فيض نبذره بطريقة مخزية، بينما يموت ألاف الأشخاص يوميا من الجوع . فالبؤس ليس أمرا محتوما،
والمجاعة ليست قدرا، بل نحن الذين نرفض المشاركة
وأنظمتنا هى المصممة بطريقة رديئة ، وقلب الإنسان هو الذى لا يريد أن يتغير
المسؤول الحقيقى ليس الله وإنما أنانيتنا ،ونهمنا و رغبتنا فى الإمتلاك . والله يتألم من هذا كله .إنه يتألم لانه محبة
يتألم لأنه تماهى بأصغر البشر))
وهنا اتمنى ان يكون الرب قد ارشدنى للشهادة عن حقه وغنى نعمته
كتب :محمد حجازى ( بيشوى)
الأربعاء، 6 أغسطس 2008
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك 3 تعليقات:
الف الف الف سلامة عليك يا محمد من الارهاب الاسلامي
عزيزى محمد
بعد التحيه اهنيك على هذه المقاله المبدعه التى من فرط إعجابى بها و بإسلوبك فكرت أن أضعها كأول مقاله فى مدونتى الجديده ولكن هذا طبعا ً بعد موافقتك
انتظر ردك لأنى لن أنشرها الا بعد سماحك لى إحتراما لك
و ارجو من الرب ان يساعدك فى حياتك و يحميك من كل شر
تحياتى
أخي العزيز بيشوي،
بعد التحية،
أرجو منك أن تسمع لكلمة أقولها لك لوجه الله، ربي وربك. أخي لا تؤمن بالإسلام أو بالمسيحية أو غيرها من الأديان إلا بعد أن تعرضها على عقلك وضميرك وتطمئن إلى أنها الحق. وما دمت واثقًا أن لهذا الكون إله، فلتدعه إذا صعب عليك الأمر حتى يهديك إلى طريقه الصحيح.
وأحذرك يا أخي من شيئين: أولاً أن يكون دينك وعقيدتك تابعان لعصبيتك وانتمائك لأهلك من أي ديانة، ولكن الضابط الوحيد يجب أن يكون رغبتك في معرفة الحق. ثانيًا: إذا أردت معرفة الله، لن تجد الكثير ممن انتبهوا واهتموا لهذا الأمر من كل أصحاب الديانات، فالكل مشغول بأمور الدنيا. فلا يفتنك أهل ديانة بأن تنفي عنها إمكانية أن تكون هي الحق. فليكن همك الحق وإن كان مع غيرك وإن كان مع المسلمين وإن كان مع المسيحين وإن كان مع الماجوس. أدعو الله لك بالهداية.
توضيح يا أخي بخصوص مسألة الإيمان بالقضاء والقدر لدى أهل الإسلام: أولاً ما يميز الإسلام وجود سند لكل ما يؤمنون به، فليست عقيدتهم قائمة على ظنون أو كتابات العلماء بقدر ما هي معتمدة على القراءن الكريم والسنة النبوبة، وهذا يعطيها ميزة الثبات والاستقرار على عكس العقائد القائمة على أراء رجال الدين، حيث تختلف هذه الأراء في الأصول، ناهيك عن الفروع.
ثانيًا: إن عقيدة القضاء والقدر لدى المسلمين لا تدعوهم إلى ترك العمل، ولكن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له".
وأخيرًا أدعو لي ولك بالهداية والتوفيق والفلاح في الدنيا والأخرة
سلام عليك
إرسال تعليق